كيف نسيطر على سلوكيات أطفالنا في زمن كورونا والحجر المنزلي؟
د. ريتا عطالله لـ"أحوال": أطفال لبنان يعانون مشاكل أكبر منهم وتداعيات انفجار المرفأ ستسمر لأجيال
يعيش الأطفال حول العالم منذ سنة تقريباً، حياةً جديدةً فُرضت عليهم بسبب جائحة كورونا… بشكل مفاجئ، حُرموا من ارتياد المدارس ومن اللعب في الحدائق العامة، ومن مرافقة ذويهم الى المطاعم واماكن اللعب… باتوا مضطرين الى ارتداء كمامة دون ان يسلموا على رفيق لهم او معلمة يحبونها صاروا يشاهدونها عبر شاشة الكومبيوتر.
حتى من معانقة الجد والجدة حُرموا، وصاروا ملزمين بالاكتفاء بتحيتهم عن بعد. واقع مرير فرض على كل الناس الذين باتوا مسجونين داخل منازلهم مع اطفالهم الذين يتأثرون بطبيعة الحال أكثر من سواهم. عن كل هذه التداعيات وسبل معالجتها أو الحدّ منها ولو نسبياً، تحدث “أحوال” الى الدكتور ريتا هيكل حسون عطالله، (دكتوراه في علم النفس العيادي والمرضي) وهي محاضرة في الجامعة اللبنانية وخبيرة محلّفة لدى المحاكم (فرع علم النفس)، ومعالجة نفسية في الأمن العام والمركز التربوي للبحوث والإنماء، وخبيرة نفسية واجتماعية.
ترى د. ريتا أنّ “اطفال لبنان صاروا عاجزين عن عيش طفولتهم كما يجب. مهما حاول الأهل أن يخفوا على أطفالهم المسائل السلبية من أزمات والى ما هنالك، لكن لا بدّ للطفل ان يشعر بأن هناك أموراً اختلفت وتغيرت… هو يسمع طبعاً عن كورونا وخطر الموت، وعن خطر الاقتصاد وقطع الطرقات والخ… لكن ما نستطيع فعله هو ألا نشرح له ما هو أكبر من عمره. أي موضوع نريد ان نشرحه للطفل، علينا أن نفعل ذلك بوعي وعن دراسة دون ان نخيفه وأن نشرح له ذلك حسب عمره أولاً وأخيراً. ومن المهم جداً ألا نكذب عليه وان نعوّده على التواصل. “.
بعض الأهل يساعد الأطفال على الغش في التعليم اونلاين
وعن التأثيرات السلبية لكل هذه المشاكل التي استجدّت في حياتنا في وقت واحد وكيفية معالجتها تقول “اثرت جائحة كورونا بشكل كبير بحيث اقتحمت حياتنا بسبب سرعة انتشارها وانتقالها كعدوى. وبالفعل بدأ تردي الأوضاع قبل جائحة كورونا، بدءاً من الثورة ومروراً بالأزمات السياسية وليس انتهاء بخسارة الكثير من فرص العمل والانكماش الاقتصادي الحاد وازمة الدولار… لكل هذا تأثيرات واضحة جداً على الجميع وليس فقط الأطفال. زادت الاضطرابات والمشاكل داخل العائلات. في السابق عندما كان يحصل خلاف بين الزوجين مثلاً، يخرج أحدهما للترفيه عن نفسه ريثما تهدأ الأمور… حتى هذه المسألة حرمنا منها لفترة طويلة، فازدادت المشاكل بسبب استمرار المواجهة بين الطرفين… ولكم أن تتخيلوا مدى تأثير ذلك على الأطفال وهم أكثر من يتأثر. لكن عندما يتمكن الأهل من السيطرة على أنفسهم وعدم إظهار كل الجوانب السلبية لما يحصل، عندها ينقلون هذه الإيجابية الى اطفالهم فيعودون للشعور بالأمان والاستقرار”.
تتابع “كما ان للمدراس أيضاً دور مهم في هذه الناحية، حيث يجب أن يعرف الطفل أن مسألة التعلم عن بعد هي مسألة مؤقتة وغير دائمة، حتى ولو لم نكن نعلم متى تنتهي. وفي الوقت ذاته، علينا أن نفهمه أنه يجب أن يلتزم بهذا النوع من التعليم وأن يأخذه على محمل الجدّ. نحن نحمي أطفالنا من خلال تعليمهم وإرشادهم ويجب ان يدرك الطفل ذلك. من هنا أودّ ان أشير الى مسالة مهمة جداً، وهي ان بعض الأهل يساعدون اطفالهم على الغش خلال التعليم “اونلاين” وهذا أمر بالغ الخطورة لأنه يلغي شخصية الطفل ويجعله شخصاً اتكالياً في المستقبل.
تداعيات انفجار المرفأ ستستمر لأجيال
وعن تداعيات انفجار مرفأ بيروت، ترى د. عطا الله أنّ الانفجار “شكّل صدمة كبيرة وتسبب بغصّة كبيرة لدى اللبنانيين ستستمر لأجيال للأسف… خصوصاً اننا لا نزال في مرحلة المجهول لناحية من فعل ذلك؟ ولماذا حصل ذلك وكيف… كل هذه أسئلة لا يملك اللبنانيون حتى اللحظة اجابات عليها، ما يزيد الشكوك والاضطرابات النفسية والصدمات… لهذا لاحظنا بعد هذه الفترة زيادة حالات الاكتئاب والادمان والاضطرابات السلوكية وبشكل أكثر تعقيداً… رغم أن جمعيات كثيرة ومؤسسات في الدولة تحاول مساعدة المتضررين لكن كل ذلك لا يكفي. اذ كيف يمكن ان نعوّض على شخص خسر ابناً له او منزله وجنى عمره وكل ذكرياته”.
وفي ظل هذه الظروف والفوضى التي حصلت في حياتنا التي فقدت نظامها وروتينها، يبقى الأطفال الحلقة الأضعف، فكيف يسيطر الأهل على طفل فقد روتين يومه وباتت جدران المنزل متنفسه الوحيد؟ تقول
“بالفعل اصبحت الفوضى ملازمة لتصرفات الأطفال اليومية. تعليم أونلاين قبل الظهر، وواجبات وفروض بعد الظهر وكل ذلك والجميع في المنزل… هذا أمر صعب جداً. نحن بحاجة للتنظيم”.
أما عن أهم نصيحة يمكن ان تقدمها للعائلات تقول “أنصحهم أن يتشاركوا في كل شيء وان يتعاونوا. يمكن مثلاً أن يمارسوا الرياضة معاً، او يستمعوا الى الموسيقى معاً، أن يصلوا معاً. وان يعتادوا على الحوار البنّاء في ما بينهم. والأهم أن نعلم اطفالنا على ان كل مشكلة ولها حل، وليس كلما وقع امر ما نعتبره نهاية العالم… علينا أن نحيطهم ونعتني بهم بجدية، ويجب ان يعرفوا متى يتساهلون ومتى يكونوا صارمين. عندما نهمل أطفالنا سنلاحظ تغييرات سلوكية كبيرة وخطيرة جداً في شخصيتهم.”.
وعن إدمان الأطفال على ألعاب التكونولوجيا وازدياده بشكل مطرد في ظل فترات الحجر، وصعوبة تخليصهم من هذه العادة المستجدة تقول
“تربية الطفل أساسية جداً وحساسة ودقيقة. وكلما ازداد التطور التكنولوجي رغم كل ايجابياته، له أيضاً سلبياته، لناحية إمكانية التأثير السلبي على الطفل من خلال طريقة التواصل مع العالم الخارجي عبر التكنولوجيا في مقابل صعوبة فرض رقابة من الأهل. وهذا الأمر ازداد كثيراً في ظلّ جائحة كورونا وعدم توجه الأطفال الى المدارس ولا لأي مكان أصلاً بسبب الاقفال، فانصبّ اهتماهم أكثر بعالم التكنولوجيا… نجد الكثير من الأهالي عاجزين عن فرض الرقابة ومدّ يد العون لأطفالهم من خلال ترشيدهم نحو كيفية التواصل ومع من. هذا دون ان ننسى الألعاب الاكترونية المليئة بالعنف والقتل وكيفية استعمال الأدوات الحادة.”.
وتختم قائلة ” هذه الألعاب تؤثر بشكل سلبي جداً على النموّ الذهني للأطفال ويؤدي الى اضطرابات نفسية وعدم استقرار”…